الكنيسة والمسرح :
الكنيسة في عصورها الأولى، مع الأسف الشديد، اضطَهَدَت المسرح باعتباره رمزاً مِن رموز الوثنية، التي تُبعِد الإنسان عن عبادة الرب . ذلك لأنَّ المسرح الروماني، واليوناني أيضاً، كان يَستمِدّ مُعظَم موضوعاته مِن قِصَص الآلهة . وكان يُعبِّر عن حالة المجتمع، الذي هو في نَظَر الكنيسة ذلك العالَم الشرير الساقِط في الخطية . لذلك اضطَهَدَت الكنيسة العمل المسرحي، ومَنَعَت شعبها مِن الذهاب إلى المسرح، أو حتى مُجرَّد العمل الوظيفي في ذلك المجال .
لكن بعد أنْ أعلن الإمبراطور قُسطنطين المسيحية الدِّين الرسمي للدولة، أصبح للكنيسة نفوذ وسُلطة، فبدأت في تنفيذ سياساتها الاضطهادية تجاه المسرح . فصدر أمر بابوي في القرن السادس بإغلاق دور المسرح، ومُعاقَبَة كلّ مَن يقرأ قِصصاً لكتَّاب يونانيين . وحتى القرن العاشر، اختفى وجود المسرح ونشاطاته . واقتصَر نشاطه على بعض الاسكتشات التي كانت تَسخَر مِن الكهنة، الأمر الذي زاد مِن سَخط الكنيسة على المسرح .
لكن في القرن العاشر تقريباً، بدأ بعض الرهبان والراهبات يقرؤون للفلاسفة والكتَّاب الرومان واليونان . فبدأ ظهور بعض الاسكتشات الصغيرة المكتوبة لتعليم الشعب المسيحي المبادئ المسيحية . ثم دخلَت الدراما في العبادة، فكان الكهنة يمثِّلون، أثناء القداس الإلهي، حوار المسيح مع المريمات بعد قيامته . ثمَّ تطوَّرت الفكرة وأصبَحَت تُقدَّم خارِج الكنيسة . وبعد ذلك بدأت تظهر عِدَّة تمثيليات عن أهمّ الأحداث الكتابية، مِثل الخليقة والسقوط والميلاد والقيامة . ثم ظَهَرَت نوعية المسرحيات التي تحكي سِيَر القديسين والشهداء . ومع أنها كانت بأسلوب خيالي خارقي، إلا أنَّها كانت خطوة تطوُّر هامة جداً في علاقة الكنيسة بالمسرح . ثم ظَهَرَت المسرحيات الأخلاقية، وهي أرقى أنواع الدراما التي ظَهَرَت في الكنيسة . كلّ ذلك كان يُشكِّل التُّربة الخصْبة التي خرج مِنها شكسبير بأعماله الفنية الخالدة، والتي مِنها انطلقَتْ عَجَلة التطوُّر المسرحي . لقد كانت الكنيسة نقطة بداية انطلاق المسرح العالمي بعد مُعاداته . أمَّا اليوم، فقد تنبَّهت لأهميته ودوره الفعَّال في رسالتها، وفي توصيل الأفكار، وتجسيد القصص الكتابية، وتستثمِر كلّ ذلك لصالح الخدمة الروحية

0 التعليقات :
إرسال تعليق